أعمده ومقالاتعقد اجتماعي جديد؟ بواسطة أحمد جلال 25 يوليو 2017 | 2:49 م كتب أحمد جلال 25 يوليو 2017 | 2:49 م النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 0في أعقاب ثورة يناير 2011، وبعد تعديل المسار في 30 يونيو 2013، تفاءلت وتفاءل معظم المصريين بإمكانية البدء في بناء دولة مدنية حديثة. كنت أتصور أننا بدأنا مرحلة نبنى فيها نظاما سياسيا يتمتع فيه المصريون بحرياتهم، وتدار فيه أمور الحكم بشفافية، وتتوازن فيه العلاقة بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وتتم فيه مساءلة بناءة لمن تم اختيارهم لإدارة شؤون البلاد. بالتوازي كنت أتصور أننا بدأنا الطريق نحو تبني نموذج تنموي يدفع بمعدلات النمو الاقتصادي إلى آفاق رحبة، مع مشاركة غالبية المصريين في ثمار هذا النمو. باختصار، كنت أعتقد أننا على أبواب العيش سويا، حاكما ومحكومين، على أساس عقد اجتماعي جديد، جد مختلف عما سبقه من عقود.بعد عدة سنوات، السؤال الذي يلح على ذهني، وعلى أذهان الكثيرين غيري، هو: هل حدث خلال هذه الفترة تحول حقيقي في طبيعة العلاقة بين من يحكمون وجموع المصريين، أم أن هذه العلاقة لا تزال معيبة، كما كانت في السابق؟ في رأيي المتواضع أن ملامح العقد الجديد لم تتضح بعد، ولهذا نتأرجح بين إحساس بالخوف من العودة إلى الوراء، وبين الأمل في مستقبل أكثر عدالة وازدهارا.في توصيف العقد الاجتماعي الذي ساد منطقتنا قبل ثورات الربيع العربي، بما في ذلك مصر، هناك شبه إجماع بين المعنيين بدراسة الاقتصاد السياسي أن المنطقة سادها ما يسمى «نموذج الصفقة السلطوية». في هذا النوع من العقود الاجتماعية، يعد الحكام شعوبهم بعطايا اقتصادية يقررونها، مقابل التنازل عن المشاركة الفعالة في الحياة السياسية. بمعنى آخر، يعمل الحكام على توفير رغيف العيش مقابل الأمان، على اعتبار أن المشاركة السياسية غير ضرورية، أو أن الشعوب غير مؤهلة لها. لهذا لم يكن مدهشاً أن يتم تصنيف الغالبية العظمى من الدول العربية في عام 2010 على أنها «ليست حرة»، طبقا لمؤشر «فريدم هاوس» الذي يركز على الحقوق السياسية والحريات المدنية. لبنان والكويت تم تصنيفهما تحت عنوان «حرة جزئيا».تجلت ملامح العقد الاجتماعي المعيب في ظواهر شتى. سياسياً، استمر الحكام في مقاعدهم لعقود طويلة، حتى يحين الأجل أو يقضي الله أمراً كان مفعولاً. هذه الظاهرة أثارت حفيظة الكاتب الصحفي اللبناني «مروان خوري» إلى أن يدعو في أحد مقالاته إلى وضع سقف لمدة الحكم يصل إلى 25 سنة. وعندما بدا ذلك غريبا، كان يلفت النظر إلى كثرة عدد الرؤساء الذين تخطوا هذا السقف في ذلك الوقت: صدام حسين، حسني مبارك، معمر القذافي، حافظ الأسد، وعلى صالح. وصاحب استقرار الحكام في مقاعدهم ظواهر سلبية أخرى، منها برلمانات صورية، وأجهزة إعلام موجهة، وحزب حاكم أوحد أو طاغ، وضيق مساحة حرية الرأي.على الصعيد الاقتصادي، أفرزت النظم السياسية سياسات اقتصادية تقوم على محاباة المقربين من النظام لضمان مساندتهم له، وفي نفس الوقت محاولة إرضاء الطبقتين المتوسطة والفقيرة خوفاً من ثورتهم. من هنا، اجتمعت، في الحالة المصرية، حزمة من السياسات الدافعة لعجلة النمو، وإن شابها بعض الصفقات المشبوهة، ولم يجرؤ النظام على اتخاذ بعض الإجراءات التي كان من شأنها معالجة تشوهات سعرية كبيرة، مثل دعم الطاقة. ومن هنا أيضا، لم يحظ التعليم العام والخدمة الصحية الشاملة بالعناية الكافية، وتم إفساح المجال للقطاعين الأهلى والخاص لتقديم هذه الخدمات. بشكل عام، كان الشعب فى مقعد المتلقى، منتظرا كرم حاكمه إن جاد. هذا العقد الاجتماعي تعرض لضغوط شديدة في أعقاب الانتخابات البرلمانية في 2010، وتزايد الحركات الاحتجاجية، وثبوت عدم قدرة النظام على تجديد نفسه، وكان الخيار الشعبي هو الخروج إلى الميادين.على أي حال، ذهب الحكام القدامى وجاء مكانهم حكام جدد، وجاءت معهم آمال كبرى في عقد اجتماعي جديد. في مصر، تم اتخاذ خطوات ملموسة على هذا الطريق، من أهمها تبني دستور جديد، والقيام بانتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف قضائي، ومؤخرا عدد من الإصلاحات الاقتصادية الضرورية. ورغم كل ذلك، تظل الفجوة قائمة بين العقد الاجتماعي الذي يطمح إليه من خرجوا إلى الميادين وبين ما يحدث على أرض الواقع، سياسيا واقتصاديا. صحيح أنه لا يمكن ترجمة شعار «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» إلى تغييرات جوهرية على أرض الواقع بين يوم وليلة، ولكن ما يريده الناس هو الاطمئنان إلى أن هناك ضوءا في نهاية النفق.قناعتي هى أن مصر مؤهلة، ربما أكثر من غيرها من الدول العربية، لتبني عقد اجتماعي جديد أكثر حداثة. ترجع قناعتي إلى سببين: الأول مرتبط بمصر نفسها، بحكم تاريخها الحضاري القديم، وبحكم تاريخها الحديث الملىء بمحاولات التنوير، وبحكم انتشار التعليم والتواصل مع العالم، وبحكم تنوع اقتصادها وإمكانياتها البشرية الهائلة. السبب الثاني مرتبط بالمد الديمقراطي عالميا، وهو يتسع كل يوم، مما يوحي بأن عصر عقود الإذعان في طريقه إلى الاندحار. إذا كان تصوري صحيحا، فهذا يعني أن الفرصة لا تزال سانحة أمامنا، وعلينا اغتنامها، حكومة وشعبا.